الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى **
*3 في ذكر استنادهم في دينهم إلى أصحاب ((المجامع)) الذين كفر بعضهم بعضا، وتلقيهم أصول دينهم عنهم، ونحن نذكر الآن الأمر كيف ابتدأ، وتوسط، وانتهى، حتى كأنك تراه عيانا. كان الله سبحانه قد بشر بالمسيح على ألسنة أنبيائه من لدن موسى إلى زمن داود، ومن بعده من الأنبياء، وأكثر الأنبياء تبشيرا به داود، وكانت اليهود تنتظره، وتصدق به قبل مبعثه، فلما بعث كفروا به بغيا، وحسدا، وشردوه في البلاد، وطردوه، وحبسوه، وهموا بقتله مرارا إلى أن أجمعوا على القبض عليه، وعلى قتله، فصانه الله، وأنقذه من أيديهم، ولم يهنه بأيديهم، وشبه لهم بأنهم صلبوه، ولم يصلبوه، كما قال تعالى: (وبكفرهم، وقولهم على مريم بهتانا عظيما، وقولهم: إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم، رسول الله، وما قتلوه، وما صلبوه، ولكن شبه لهم، وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه، ما لهم به من علم، إلا اتباع الظن، وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه (ص 168)، وكان الله عزيزا حكيما) وقد اختلف في معنى قوله: ولكن لما قال أعداؤه: أنهم قتلوه، وصلبوه، واتفق رفعه من الأرض، وقعت الشبهة في أمره، وصدقهم النصارى في صلبه لتتم الشناعة عليهم، وكيف ما كان فالمسيح صلوات الله وسلامه عليه، لم يقتل، ولم يصلب يقينا لا شك فيه. ثم تفرق الحواريون في البلاد بعد رفعه على دينه، ومنهاجه يدعون الأمم إلى توحيد الله، ودينه، والإيمان بعبده ورسوله، ومسيحه، فدخل كثير من الناس في دينه، ما بين ظاهر مشهور، ومختف مستور، وأعداء الله اليهود في غاية الشدة والأذى لأصحابه وأتباعه، ولقي تلاميذ المسيح، وأتباعه من اليهود، ومن الروم شدة شديدة من قتل، وعذاب، وتشريد، وحبس، وغير ذلك. وكان اليهود في زمن المسيح في ذمة الروم، وكانوا ملوكا عليهم، وكتب نائب الملك ببيت المقدس إلى الملك يعلمه بأمر المسيح، وتلاميذه، وما يفعل من العجائب الكثيرة، من إبراء الأكمه، والأبرص، وإحياء الموتى، فهمّ إن يؤمن به، ويتبع دينه، فلم يتابعه أصحابه، ثم هلك وولى بعده ملك آخر، فكان شديدا على تلامذة المسيح. ثم مات وولي بعده آخر، وفي زمنه كتب ((مرقس)) إنجيله بالعبرانية، وفي زمانه صار إلى الإسكندرية، فدعا إلى الإيمان بالمسيح، وهو أول شخص جعل بتركا على الإسكندرية، وصير معه اثني عشر قسيسا على عدة نقباء بني إسرائيل في زمن موسى، وأمرهم إذا مات البترك أن يختاروا من الاثني عشر واحدا يجعلونه مكانه، ويضع الاثني عشر أيديهم على رأسه، ويبركونه. ثم يختارون رجلا فاضلا قسيسا يصيرونه تمام العدة، ولم يزل أمر القوم كذلك إلى زمن قسطنطين. ثم انقطع هذا الرسم، واصطلحوا على أن ينصبوا البترك من أي بلد كان من أولئك القسيسين، أو من غيرهم، ثم سموه ((بابا)) ومعناه: أبو الآباء، وخرج ((مرقس)) إلى برقة يدعو الناس إلى دين المسيح. ثم ملك آخر، فأهاج على أتباع المسيح الشر والبلاء، وأخذهم بأنواع العذاب، وفي عصره كتب ((بطرس)) رئيس الحواريين إنجيل مرقس عنه بالرومية، ونسبه إلى ((مرقس)). وفي عصره كتب ((لوقا)) إنجيله بالرومية لرجل شريف من عظماء الروم، وكتب له الأبركسيس الذي فيه أخبار التلاميذ. وفي زمنه صلب ((بطرس)) وزعموا أن (ص 169) بطرس قال له: إن أردت أن تصلبني، فاصلبني منكسا، لئلا أكون مثل سيدي المسيح، فإنه صلب قائما، وضرب عنق ((بولس)) بالسيف، وأقام بعد صعود المسيح اثنين وعشرين سنة. وأقام ((مرقس)) بالإسكندرية، وبرقة سبع سنين يدعو الناس إلى الإيمان بالمسيح. ثم قتل بالإسكندرية، وأحرق جسده بالنار، ثم استمرت القياصرة ملوك الروم على هذه السيرة إلى أن ملك مصر قيصر يسمى ((طيطس)) فخرب بيت المقدس بعد المسيح بسبعين سنة بعد أن حاصرها، وأصاب أهلها جوع عظيم، وقتل من كان بها من ذكر وأنثى، حتى كانوا يشقون بطون الحبالى، ويضربون بأطفالهن الصخور، وخرب المدينة، وأضرم فيها النار، وأحصى القتلى على يده، فبلغوا ثلاثة آلاف ألف. ثم ملك ملوك آخرون فكان منهم واحد شديد على اليهود جدا، فبلغوه أن النصارى يقولون: أن المسيح ملكهم، وأن ملكه يدوم إلى آخر الدهر، فاشتد غضبه، وأمر بقتل النصارى، وأن لا يبقى في ملكه نصراني، وكان ((يوحنا)) صاحب الإنجيل هناك، فهرب، ثم أمر الملك بإكرامهم، وترك الاعتراض عليهم. ثم ملك بعده آخر، فأثار على النصارى بلاء عظيما، وقتل بترك أنطاكية برومية، وقتل أسقف بيت المقدس، وصلبه، وله يومئذ مائة وعشرون سنة، وأمر باستعباد النصارى، فاشتد عليهم البلاء إلى أن رحمتهم الروم، وقال له وزراؤه: أن لهم دينا وشريعة، وأنه لا يحل استعبادهم، فكف عنهم، وفي عصره كتب ((يوحنا)) إنجيله بالرومية، وفي ذلك العصر رجع اليهود إلى بيت المقدس، فلما كثروا، وامتلأت منهم المدينة عزموا على أن يملكوا منهم ملكا، فبلغ الخبر قيصر، فوجه إليهم جيشا، فقتل منهم من لا يحصى. ثم ملك بعده آخر، وأخذ الناس بعبادة الأصنام، وقتل من النصارى خلقا كثيرا، ثم ملك بعده ابنه، وفي زمانه قتل اليهود ببيت المقدس قتلا ذريعا، وخرب بيت المقدس، وهرب اليهود إلى مصر، وإلى الشام، والجبال، والأغوار، وتقطّعوا في الأرض. وأمر الملك أن لا يسكن بالمدينة يهودي، وأن يقتل اليهود ويستأصلوا، وأن يكن المدينة اليونانيون، وامتلأت بيت المقدس من اليونانيين، والنصارى ذمة تحت أيديهم، فرأوهم يأتون إلى مزبله هناك فيصلون فيها، فمنعوهم من ذلك، وبنوا على المزبلة هيكلا باسم ((الزهرة)) فلم يمكن النصارى بعد ذلك قربان ذلك الموضع. ثم هلك هذا الملك، وقام بعده آخر، فنصب يهودا أسقفا على بيت المقدس، قال ابن البطريق: فمن يعقوب أسقف بيت المقدس الأول إلى يهودا أسقفه، هكذا كانت الأساقفة الذين على بيت المقدس كلهم مختونين. ثم ولي بعده آخر، وأثار على النصارى بلاء شديدا، وحربا طويلا، ووقع في أيامه قحط شديد، كاد الناس أن يهلكوا، فسألوا النصارى (ص 170) أن يبتهلوا إلى إلههم فدعوا، وابتهلوا إلى الله، فمطروا، وارتفع عنهم القحط، والوباء. قال ابن البطريق: وفي زمانه كتب بترك الإسكندرية إلى أسقف بيت المقدس، وبترك أنطاكية، وبترك رومية، في كتاب فصح النصارى وصومهم، وكيف يستخرج من فصح اليهود، فوضعوا فيها كتبا على ما هي اليوم، قال: وذلك أن النصارى كانوا بعد صعود المسيح إذا عيدوا عيد الغطاس من الغد يصومون أربعين يوما، ويفطرون كما فعل المسيح، لأنه لما اعتمد بالأردن، خرج إلى البرية. فأقام بها أربعين يوما، وكان النصارى إذا أفصح اليهود، عيدوا هم الفصح، فوضع هؤلاء البتاركة حسابا للفصح، ليكون فطرهم يوم الفصح، وكان المسيح يعيد مع اليهود في عيدهم، واستمر على ذلك أصحابه إلى أن ابتدعوا تغيير الصوم، فلم يصوموا عقيب الغطاس، بل نقلوا الصوم إلى وقت لا يكون عيدهم مع اليهود. ثم مات ذلك الملك، وقام بعده آخر، وفي زمنه كان ((جالينوس)) وفي زمنه ظهرت الفرس، وغلبت على بابل، وآمد، وفارس. وتملك أزدشير بن بابك في أصطخر، وهو أول ملك، ملك على فارس في المدة الثانية. ثم مات قيصر، وقام بعده آخر ثم آخر، وكان شديدا على النصارى، عذّبهم عذابا عظيما، وقتل خلقا كثيرا منهم، وقتل كل عالم فيهم، ثم قتل من كان بمصر، والإسكندرية من النصارى، وهدم الكنائس، وبنى بالإسكندرية هيكلا، وسماه هيكل ((الآلهة)). ثم قام بعده قيصر آخر، ثم آخر، وكانت النصارى في زمنه في هدوء وسلامة، وكانت أمة تحب النصارى. ثم قام بعده آخر، فأثار على النصارى بلاء عظيما، وقتل منهم خلقا كثيرا، وأخذ الناس بعبادة الأصنام، وقتل من الأساقفة خلقا كثيرا، وقتل بترك أنطاكية، فلما سمع بترك بيت المقدس بقتله هرب، وترك الكرسي. ثم هلك، وقام بعده آخر ثم آخر. وفي أيام هذا ظهر ((ماني)) الكذاب، وزعم أنه نبي، وكان كثير الحيل والمخاريق، فأخذه بهرام ملك الفرس، فشقه نصفين، وأخذ من أتباعه مائتي رجل، فغرس رؤوسهم في الطين منكسين حتى ماتوا. ثم قام من بعده ((فيلبس)) فآمن بالمسيح، فوثب عليه بعض قواده، فقتله. ثم قام بعده ((دانقيوس)) ويسمى: دقيانوس، فلقي النصارى منه بلاء عظيما، وقتل منهم ما لا يحصى، وقتل بترك رومية، وبنى هيكلا عظيما، وجعل فيه الأصنام، وأمر أن يسجد لها، ويذبح لها، ومن لم يفعل قتل، فقتل خلقا كثيرا من النصارى، وصلبوا على الهيكل، واتخذ من أولاد عظماء المدينة سبعة غلمان، فجعلهم خاصته، وقدّمهم على جميع من عنده، وكانوا لا يسجدون للأصنام، فأعلم الملك بخبرهم(ص 171)، فحبسهم. ثم أطلقهم، وخرج إلى مخرج له، فأخذ الفتية كل مالهم، فتصدقوا به، ثم خرجوا إلى جبل فيه كهف كبير، فاختفوا فيه، وصب الله عليهم النعاس، فناموا كالأموات، وأمر الملك أن يبنى عليهم باب الكهف ليموتوا، فأخذ قائد من قواده صفيحة من نحاس، فكتب فيها أسماءهم، وقصتهم مع دقيانوس، وصيّرها في صندوف من نحاس، ودفنه داخل الكهف وسده. ثم مات الملك. *2* ثم قام بعده قيصر آخر، وفي زمنه جعل في أنطاكية بتركا مسمى ((بولس الشمشاطي)) وهو أول من ابتدع في شأن المسيح اللاهوت والناسوت، وكانت النصارى قبله كلمتهم واحدة، أنه عبد، رسول، مخلوق، مصنوع، مربوب، لا يختلف فيه اثنان منهم، فقال بولس هذا - وهو أول من أفسد دين النصارى -: أن سيدنا المسيح خلق من اللاهوت إنسانا كواحد منا في جوهره، وأن ابتداء الابن من مريم، وأنه اصطفى ليكون مخلصا للجوهر، الإنسي صحبته النعمة الإلهية، فحلت فيه بالمحبة والمشيئة، ولذلك سمى ابن الله، وقال: أن الله جوهر واحد، وأقنوم واحد. قال سعيد بن البطريق: وبعد موته اجتمع ثلاثة عشر أسقفا في مدينة أنطاكية، ونظروا في مقالة ((بولس)) فأوجبوا عليه اللعن، فلعنوه، ولعنوا من يقول بقوله، وانصرفوا. ثم قام قيصر آخر، فكانت النصارى في زمنه يصلون في المطامير، والبيوت، فزعا من الروم، ولم يكن بترك الإسكندرية يظهر خوفا أن يقتل، فقام بارون بتركا، فلم يزل يداري الورم، حتى بنى بالإسكندرية كنيسة. ثم قام قياصرة أخر، منهم اثنان تملكا على الروم إحدى وعشرين سنة، فأثارا على النصارى بلاء عظيما، وعذابا أليما، وشدة تجل عن الوصف من القتل، والعذاب، واستباحة الحريم، والأموال، وقتل ألوف مؤلفة من النصارى، وعذبوا ((مارجرجس)) أصناف العذاب، ثم قتلوه، وفي زمنهما ضربت عنق ((بطرس)) بترك الإسكندرية، وكان له تلميذان. وكان في زمنه ((أريوس)) يقول: إن الأب وحده، الله، الفرد، الصمد، والابن مخلوق، مصنوع، وقد كان الأب إذ لم يكن الابن)) فقال ((بطرس)) لتلميذيه: إن المسيح لعن ((أريوس)) فاحذرا أن تقبلا قوله؛ فإني رأيت المسيح في النوم، مشقوق الثوب، فقلت: يا سيدي!من شق ثوبك؟ فقال لي: ((أريوس)) فاحذروا أن تقبلوه، أو يدخل معكم الكنيسة، وبعد قتل ((بطرس)) بخمس سنين، صير أحد تلميذيه بتركا على الإسكندرية، فأقام ستة أشهر، ومات، ولما جرى على أريوس ما جرى أظهر أنه قد رجع عن مقالته، فقبله هذا البترك، وأدخله الكنيسة، وجعله(ص 172) قسيسا. ثم قام قيصر آخر، فجعل يتطلب النصارى، ويقتلهم حتى صب الله عليه النقمة فهلك شر هلكة. ثم قام بعده قيصران: (أحدهما): ملك الشام، وأرض الروم، وبعض الشرق. (والآخر): رومية، وما جاورها، وكانا كالسباع الضارية على النصارى، فعلا بهم من القتل، والسبي، والجلاء، ما لم يفعله بهم ملك قبله. وملك معهما ((قسطنطين)) أبو قسطنطين، وكان دينا يبغض الأصنام، محبا للنصارى، فخرج إلى ناحية الجزيرة، والرها، فنزل في قرية من قرى الرها، فرأى امرأة جميلة، يقال لها: ((هيلانة)) وكانت قد تنصرت على يدي أسقف الرها، وتعلمت قراءة الكتب، فخطبها قسطنطين من أبيها، فزوجه إياها، فحبلت منه، وولدت قسطنطين، فتربى بالرها، وتعلم حكمة اليونان، وكان جميل الوجه، قليل الشر، محبا للحكمة. وكان ((عليانوس)) ملك الروم حينئذ، رجلا فاجرا، شديد البأس، مبغضا للنصارى جدا، كثير القتل فيهم، محبا للنساء، لم يترك للنصارى بنتا جميلة، إلا أفسدها، وكذلك أصحابه. وكان النصارى في جهد جهيد معه، فبلغه خبر قسطنطين، وأنه غلام هاد، قليل الشر، كثير العلم، وأخبره المنجمون، والكهنة، أنه سيملك ملكا عظيما، فهمّ بقتله، فهرب قسطنطين من الرها، ووصل إلى أبيه، فسلم إليه الملك. ثم مات أبوه، وصب الله على ((عليانوس)) أنواعا من البلاء، حتى تعجب الناس مما ناله، ورحمه أعداؤه مما حلّ به، فرجع إلى نفسه، وقال: لعل هذا بسبب ظلم النصارى، فكتب إلى جميع عماله، أن يطلقوا النصارى من الحبوس، وأن يكرموهم، ويسألوهم أن يدعوا له في صلواتهم. فوهب الله له العافية، ورجع إلى أفضل ما كان عليه من الصحة، والقوة، فلما صح وقوي، رجع إلى شر مما كان عليه، وكتب إلى عماله أن يقتلوا النصارى، ولا يدعوا في مملكته نصرانيا، ولا يسكنوا له مدينة، ولا قرية، فكان القتلى يحملون على العجل، ويرمى بهم في البحر، والصحارى. وأما ((قيصر الأخر)) الذي كان معه، فكان شديدا على النصارى، واستعبد من كان برومية من النصارى، ونهب أموالهم، وقتل رجالهم، ونساءهم، وصبيانهم. *2 فلما سمع أهل رومية بقسطنطين، وأنه مبغض للشر، محب للخير، وأن أهل مملكته معه في هدو، وسلامة، كتب رؤساءهم إليه يسئلونه أن يخلصهم من عبودية ملكهم، فلما قرأ كتبهم اغتم غما شديدا، وبقي متحيرا لا يدري كيف يصنع. قال سعيد بن البطريق: فظهر له على ما يزعم النصارى، نصف النهار في السماء ((صليب)) من كوكب مكتوبا (ص 173) حوله: ((بهذا تغلب)) فقال لأصحابه: رأيتم ما رأيت؟ قالوا: نعم، فآمن حينئذ بالنصرانية، فتجهز لمحاربة قيصر المذكور، وصنع صليبا كبيرا من ذهب، وصيّره على رأس البند، وخرج بأصحابه، فأعطي النصر على قيصر، فقتل من أصحابه مقتلة عظيمة. وهرب الملك ومن بقي من أصحابه، فخرج أهل رومية إلى قسطنطين بالأكليل الذهب، وبكل أنواع اللهو، واللعب، فتلقوه، وفرحوا به فرحا عظيما، فلما دخل المدينة أكرم النصارى، وردهم إلى بلادهم بعد النفي، والتشريد، وأقام أهل رومية سبعة أيام، يعيّدون للملك، وللصليب. فلما سمع عليانوس جمع جموعه، وتجهز للقتال مع قسطنطين، فلما وقعت العين في العين، انهزموا، وأخذتهم السيوف، وأفلت عليانوس، فلم يزل من قرية إلى قرية، حتى وصل إلى بلده، فجمع السحرة، والكهنة، والعرافين الذين كان يحبهم، ويقبل منهم، فضرب أعناقهم لئلا يقعوا في يد قسطنطين، وأمر ببناء الكنائس. وأقام في كل بلد من بيت المال الخراج فيما تعمل به أبنية الكنائس، وقام بدين النصرانية، حتى ضرب بجرانه في زمانه، فلما تم له خمس عشر سنة من ملكه، حاج النصارى في أمر المسيح، واضطربوا. فأمر بالمجمع في مدينة نيقية، وهي التي رتبت فيها ((الأمانة)) بعد هذا المجمع، كما سيأتي، فأراد أريوس أن يدخل معهم، فمنعه بترك الإسكندرية، وقال: على أن بطرسا، قال لهم: أن الله لعن أريوس فلا تقبلوه، ولا تدخلوه الكنيسة، وكان على مدينة أسيوط، من عمل مصر أسقف يقول: بقول أريوس، فلعنه أيضا، وكان بالإسكندرية هيكل عظيم، على اسم زحل، وكان فيه صنم من نحاس: يسمى ميكائيل. وكان أهل مصر، والإسكندرية، في اثني عشر يوما من شهر هتور، وهو تشرين الثاني، يعيدون لذلك الصنم عيدا عظيما، ويذبحون له الذبائح الكثيرة، فلما ظهرت النصرانية بالإسكندرية، أراد بتركها أن يكسر الصنم، ويبطل الذبائح له، فامتنع عليه أهلها، فاحتال عليهم بحيلة وقال: لو جعلتم هذا العيد لميكائيل، ملك الله، لكان أولى، فإن هذا الصنم، لا ينفع، ولا يضر)) فأجابوه إلى ذلك، فكسر الصنم، وجعل منه صليبا، وسمى الهيكل: كنيسة ميكائيل، فلما منع بترك الإسكندرية أريوس من دخول الكنيسة، ولعنه خرج أريوس مستعديا عليه، ومعه أسقفان فاستغاثوا إلى قسطنطين، وقال أريوس: أنه تعدى علي، وأخرجني من الكنيسة ظلما، وسئل الملك أن يشخص بترك الإسكندرية، يناظره قدام الملك، فوجه قسطنطين برسول إلى الإسكندرية، فأشخص البترك، وجمع بينه وبين أريوس ليناظره. فقال قسطنطين لأريوس: اشرح ((مقالتك)) قال أريوس: أقول أن الأب كان إذا لم يكن الابن، ثم إنه أحدث الابن فكان كلمة له، إلا أنه محدث مخلوق، ثم فوض الأمر إلى ذلك الابن المسمى كلمة، فكان هو خالق السموات، (ص 174) والأرض، وما بينهما، كما قال في إنجيله أن يقول: ((وهب لي سلطانا على السماء، والأرض)) فكان هو الخالق لهما بما أعطي من ذلك، ثم إن الكلمة تجسدت من مريم العذراء، ومن روح القدس، فصار ذلك مسيحا واحدا، فالمسيح الآن معنيان: كلمة، وجسد، إلا أنهما جميعا مخلوقان. فأجابه: عند ذلك بترك الإسكندرية، وقال: تخبرنا الآن، أيما أوجب علينا عندك عبادة من خلقنا، أو عبادة من لم يخلقنا؟ قال أريوس: بل عبادة من خلقنا، فقال له البترك: فإن كان خالقنا الابن كما وصفت، وكان الابن مخلوقا، فعادة الابن المخلوق، أوجب من عبادة الأب، الذي ليس بخالق بل تصير عبادة الأب، الذي خلق الابن كفرا، وعبادة الابن المخلوق إيمانا، وذلك من أقبح الأقاويل فاستحسن الملك، وكل من حضر مقالة البترك، وشنع عندهم مقالة أريوس، ودارت بينهما أيضاً مسائل كثيرة، فأمر قسطنطين البترك أن يكفر أريوس، وكل من قال بمقالته، فقال له: بل يوجه الملك بشخص للبتاركة، والأساقفة، حتى يكون لنا مجمع، ونصنع فيه قضية، ويكفر أريوس ويشرح الدين، ويوضحه للناس.
|